samedi 28 janvier 2012

من فضلكم اخلــــعوا الأقنــــــــــــعة !!!



أخطر أسلحة القرن العشرين .. الاختراع رقم واحد الذى غير مسار التاريخ .. هو جهاز الإعلام .. الكلمة .. الأزميل الذى يشكل العقول .. انهار الصحف التى تغسل أمخاخ القراء .. اللافتات واليفط والشعارات .. التى تقود المظاهرات .. التليفزيون الذى يفرغ نفوس المشاهدين من محتوياتها ثم يعود فيملؤها من جديد بكل ما هو خفيف وتافه.

وأخطر ما فى سلاح الكلمة أنها دائما ذات وجهين وأنها توزن بمكيالين .. روسيا أقامت الدنيا وأقعدتها حينما غزت أمريكا فيتنام وأرتفع صوت البواق من موسكو ومن ورائها كتائب اليسار فى كل بلد من شواطىء الأطلنطى الى الهادى تحتج على الظلم والقهر والإستعمار وإهدار الحريات وتحركت المسيرات ونظمت الإضرابات وأرتفعت اللافتات وامتلأت الصحف بالهجوم على أمريكا والإشادة بنضال فيتنام الباسل الأسطوري وحينما داست الدبابات السوفيتية ارض المجر .. وحينما احتل الجيش السوفيتى تشيكوسلوفاكيا .. وحينما استولت روسيا على أفغانستان بالغزو العسكرى السافر سكتت أبواق اليسار وأصابها الصمم والبكم .. ولم تتيقظ هذه الأقلام من سباتها العميق إلا حينما نزل جنود المظلات الأمريكان على جزيرة جرانادا فعادت البرافدا تستصرخ العالم على العدوان الأمريكي على الحريات وعلى الشعب الأعزل فى جرانادا وهو لا يزيد على بضعة آلاف على رقعة أصغر من طنطا
ونسيت الأقلام وتناست ما جرى وما يجرى من قتل وتشريد الملايين من مسلمى أفغانستان وإحراقهم بالنابالم والقضاء عليهم بالغازات السامة واتلاف مزروعاتهم وماشيتهم بالمبيدات
وكأنما للحرية وجهان وللموت مكيالان ؟
واليوم ترى أوروبا الغربية تقوم قيامة رجل واحد وتكتسخ الشوارع بالمظاهرات والإضرابات والهتافات محتجة على نشر الصواريخ الأمريكية وتردد هتاف موسكو على السلام المهدد الجريح بينما تنشر روسيا صواريخها النووية فى أروبا الشرقية دون أن تتحرك مظاهرة واحدة ودون أن يسمع هتاف واحد على السلام المجنى عليه
وكأنما للسلام معنى روسى غير المعنى الأمريكي .. ويحلو لأصحابنا الشيوعيين أن يتغنوا دائما بشرف الكلمة .. وما فقدت الكلمة شرفها إلا على أيديهم .. ولا ابرىء الأمريكان فهم أسوا ولم نعرف من تغنى بالديمقراطية مثلهم .. بل هم يحتلون جرانادا باسم الديمقراطية ويحتلون فيتنام باسم الدفاع عن الديمقراطية ويرابطون فى لبنان بأسم الدفاع عن الديمقراطية .. ومع ذلك فهم وراء كل انقلاب عسكرى وخلف كل حكومة فاشية تذبح الديمقراطية حتى النخاع
إن الرؤية من جانب اليمين مثلها مثل الرؤية من جانب اليسار نصف عمياء .. فكل واحد لا يرى من ناحيته الا هواه ومصلحته ولا يبصر الا وجه الكلمة الذى يناسبه .. وهو يرفع لافتة كاذبة ويروج شعارا مزيفا فلا يوجد الا حق واحد ذو معنى واحد وليس على يسار الحق الا الباطل كما انه ليس على يمينه الا الباطل الحق واحد وليس له جانبان .. والحرية واحدة وليس لها معنيان .. ولكن الأجهزة الإعلامية ذات الصوت العالى الجهير تفرغ عقول الناس ثم تعود فتملؤها بما تريد وتزاول أخطر أنواع الدعارة .. وهى ما أسميه الدعارة بالكلمة والزنا بالمعانى والتنويم المغنطيسى بالحروف
الا تجلس أمريكا وروسيا على مائدة واحدة فى مفاوضات لنزع السلاح وكل منهما فى نفس الوقت يبيع السلاح أكداسا الى الفرقاء والخصماء فى بلادنا لنتقاتل حتى الموت
وفى المواجهة السوفيتية الأمريكية فى كل بقعة من العالم من هم القتلى إنهم الكوبيون فى جرانادا والصوماليون فى الأوجادين والأحباش فى اريتريا واليمنيون فى عدن والوطنيون فى نيكاراجوا والأفريقيون فى أنجولا
انهم يدجلون علينا بالكلمات ونحن الذين نموت مخدوعين بهذا العسل الاعلامى المسموم ؟
وذلك هو عصر التجارة بالكلمات والتخدير بالشعارات والتنويم المغنطيسى بالعيارات وقيادة الشعوب المختلفة الى مصارعها بهذا الحداء الساحر الذى بغازل الآذان بما تحب وتعشق فيضعون لنا السم فى تلك العبوات الجميلة التى اسمها الحرية .. والعدالة .. والمساواة ويتغنون بها فى أسماعنا حتى ننام عليها ثم يذبحوننا ذبح الشياه
وذلك هو ” زخرف القول ” الذى ذكره الله فى قرآنه فقال يصف هذه الطغمة الماكرة التى تلعب بالعقول: ” شياطين الأنس والجن يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا 112- الانعام
لقد بات ضروريا ان يضع كل منا مرشحا على أذنه ومرشحا آخر على عينيه ليرشح كل ما يسمع وكل ما يرى وليغربل المشاهد والأقوال بات ضروريا ان يقيم أكشاك الحراسة على كل مداخل حراسه ويحول عقله من قارىء الى ناقد بات ضروريا الا نستمع الى أي شيىء فى استسلام وحسن نية بل نصغى اليه فى شك وارتياب وتحسب .. اذا صرخت الاخزاب الشيوعية منادية بالحرية فى شوارع روما ولندن وباريس ونيويورك .. قلنا لهم ولماذا ترفضون نفس الحرية إذا نادى بها العمال فى يولندا .. ولماذا تعتقلون ليخ فاليسيا ولماذا تغلقون نقابات التضامن فى جدانسك ولماذا ضربتم دوبتشك فى تشيكوسلوفاكيا ودخلتم عليه بالدبابات والمصفحات وأسكتم صوته وخنقتم صراخ الحرية فى فمه ..
هل الحرية حلال إذا كانت لكم وحرام اذا كانت عليكم هل هى حرب حريات أم هى حرب مصالح
لماذا لا تخلعون أقنعة النفاق والتدليس وتكفون عن خداع الشباب وتقولونها صريحة .. أنها صراع دول كبرى وتنازع سلطة وقتال خرتيت روسى مع خرتيت امريكى .. لامبدأ فيه ولا أخلاق .. وأن
ما حرب المخلب والناب وتنافس على مناطق النفوذ وتسابق الى الكنوز ومناطق الثروات
لماذا لا تقولون أنها مافيا تطلق على بعضها الرصاص لا ناقة لنا فيها ولا جمل .. ولكن أحدا لن يستجيب .. ولن نجد من يتكلم بصراحة .. وأنما شعار اليوم هو الكلمات الملثمة .. كل كلمة تلبس ظاهرا مزخرفا غير باطنها .. وكل وجه يرتدى قناعا وكل خنجر مسموم يخفى نفسه داخل قفاز حريرى معطر
ونحن العرب .. دائما الهدف , ومنطقتنا الملتهبة هى الساحة ورقعة الشطرنج ، وثرواتنا هى المطمع .. فهل نفيق .. ونصحو .. ونسترد وعينا ، أم نعود لنشرب ونسكر على أغاني الحرية وأناشيد العدالة التى عتقت لنا فى دنان موسكو ووشنطن ثم ننطلق نتظاهر ونهتف ولا ندرك أنهم هم الذين وضعوا الكلمات فى افواهنا .. واننا مخمورون مخدرون ننفذ لهم مخططاتهم دون أن ندرى .. ونظن أننا نقود .. ونحن مقودون .. ونحسب أنفسنا صلدة لهم ونحن لهم عبيد مسخرون
هل نفكر قليلا .. ونتردد قليلا .. قبل أن نلعب اللعبة القادمة القاتلة على رقعة
الشطرنج .. ؟؟ أم نترك أيديهم تلعبها لنا كالمعتاد كل مرة


د.  مصطفى محمود ... 21 نوفمبر 
1983